بحضور سعيد بن طحنون
مركز زايد للدراسات والبحوث يستضيف نخبة من المختصين في ندوة عن العمل الإنساني في فكر زايد
مركز زايد للدراسات والبحوث يستضيف نخبة من المختصين في ندوة عن العمل الإنساني في فكر زايد
نظم مركز زايد للدراسات والبحوث التابع لنادي تراث الإمارات مساء أمس الجمعة في مسرح أبوظبي، وبمناسبة يوم العمل الإنساني الإماراتي ندوة بعنوان " العمل الإنساني في فكر زايد بين الشريعة والحياة المدنية"، ضمن فعاليات المهرجان الرمضاني الرابع عشر الذي ينظمه النادي برعاية سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس النادي، شارك فيها سعادة المستشار في ديوان صاحب السمو ولي العهد الدكتور فاروق حمادة، وسعادة الدكتور علي بن تميم مدير عام أبوظبي للإعلام، والمستشار الإعلامي الدكتور محمد سعيد القدسي، وأدارها الدكتور حمدان الدرعي رئيس قسم البحوث والدراسات والندوات في المركز، وذلك بحضور معالي الشيخ الدكتور سعيد بن طحنون آل نهيان.
وحضر الندوة سعادة الدكتور عبيد علي راشد المنصوري مدير عام ديوان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، نائب سمو مدير عام مركز سلطان بن زايد، وسعادة علي عبدالله الرميثي المدير التنفيذي للدراسات والإعلام في النادي، وسعادة السفير سابقا احمد محمود الحوسني، ونيافة القس أنطونيوس ميخائيل راعي كاتدرائية الأنبا أنطونيوس بأبو ظبي، وحضرها ممثلا عن الراعي الرسمي للمهرجان سعادة محمد الفهيم المدير الاقليمي لمصرف أبوظبي الإسلامي، ومن هلا أبوظبي الذراع السياحي للاتحاد للطيران الداعم للمهرجان حارب مبارك المهيري نائب رئيس إدارة الوجهات وقطاع السياحة، كما حضرها عبدالله ماجد العلي مدير دار الكتب الوطنية بدائرة الثقافة والسياحة، إلى جانب عدد من المسؤولين في كل من النادي ومركز سلطان بن زايد، ونخبة من المفكرين والأكاديميين والمهتمين، وجمهور غفير من متابعي فعاليات المهرجان، وممثلو عدد من وسائل الإعلام المختلفة بما فيها فريق التواصل الاجتماعي التابع للنادي ومركز سلطان بن زايد .
واستهلت فاطمة مسعود المنصوري مديرة مركز زايد للدراسات والبحوث الندوة بكلمة ترحيبية قالت فيها : إن ليلة التاسع عشر من رمضان.. ذكرى رحيل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان هي بحق ليلة وطن وتاريخ وطن، كتب تاريخها بمداد الحق والإنسانية والتسامح والحب والعطاء، وستظل أفعال صاحبها خالدة بعد أن غدت نهجا وطنيا تسير على هديه القيادة الرشيدة حتى أصبحت الإمارات اليوم تتصدر منصات العمل الإنساني.
المستشار الدكتور فاروق حمادة
وبدأت الندوة بحديث المستشار الدكتور فاروق حمادة الذي أكد أن الشيخ زايد "طيب الله ثراه" كان إنسانياً بكل ما تحمله الكلمة من معان وأبعاد، مبينا أن هذه الإنسانية جاءت للشيخ زايد من ثلاثة مصادر، أولها الفطرة التي وهبه الله إياها، فأعطاه غرائز إنسانية، تجلت في أقواله وأعماله ومواقفه وآرائه وحكمته، التي نستقيها من آلاف الدلائل، وثانيها أن هذه النزعة الإنسانية عمقتها وقوتها فيه تربيته الأسرية، لا سيما من والدته الشيخة سلامة، التي كان متعلقاً بها تعلقاً كبيراً ويحبها حباً جماً، وقد كانت هي كذلك ذات نزعة إنسانية عالية، وبلغت إنسانيتها أنها كانت تؤثر الناس على أولادها في الدواء والغذاء، ثم هناك الجانب المتعلق بالبيئة التي عاش فيها الشيخ زايد والثقافة التي كبر وسطها، وهي ثقافة عربية إسلامية، ولا يخفى أن ديننا الإسلامي وشريعتنا السمحة تكرم الإنسان، مضيفا أن هذه المنطلقات الثلاثة، عمّقها وقوّاها المحيط العربي والثقافة العربية، فكان المحيط حوله يتقبل هذه المفاهيم، وبما أن المجتمعات تحتاج إلى من يأخذ بيدها نحو تلك القيم، كان الشيخ زايد رحمه الله هو فارس الميدان، الذي أخذ بيد هذا الوطن منذ أن وعى نفسه.
وقال حماده: كان الشيخ زايد سخيا بإنسانيته مع الدول، أعانها على المستوى الرسمي وأخذ بيدها. كذلك تعامل الشيخ زايد مع المنظمات العالمية التي تسير في العمل الإنساني المنسجم مع سياق توجهه الفكري. كذلك مد رحمه الله يده للجمعيات الخاصة بالدول، وغيرها، فلم يرد طالباً، موضحا أن أعمال الشيخ زايد الإنسانية كانت تغطي حاجات الناس الرئيسية من سكن وصحة وتعليم. فبنى المساكن والمستشفيات والمدارس، داخل الدولة ثم خارجها، ولأنه قصد أن يشمل دعمه أكبر عدد من الناس، كانت أعماله تتجسد في مشروعات ضخمة ومستمرة حتى اليوم، حيث بفضل الله وتوفيقه حافظت قيادتنا الرشيدة على نفس النهج الذي أرساه رحمه الله.
الدكتور علي بن تميم
بدأ الدكتور علي بن تميم حديثه بالإشارة إلى الاقتران والتلازم بين الخير والتسامح، موضحا أن قارىء تاريخ الإمارات يدرك أنها ما تزال تقود قاطرة التسامح من خلال منظومة متكاملة لعمل الخير، بدأها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان"طيب الله ثراه"، إذ كان ينطلق في العمل الإنساني من منطلقات قيمية واجتماعية وإنسانية، فأسس دولة الإتحاد على عمل الخير، الذي ظل سمة تتوارثها الأجيال، ومن بعده جاء صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي ثبّت أركان الخير ، حتى عمّ خيرها كل أرجاء العالم، وصار الخير سلوكاً يمارسه شعب الإمارات في شتى مناحي الحياة اليومية.
وبيّن بن تميم أهمية التسامح في رؤية الشيخ زايد وفي شخصيته، موضحا أن الشيخ زايد كان يؤكد دوما على أن الإسلام دين رحمة وتسامح وتفاهم وتقارب بين البشر، ومعاملة بالتي هي أحسن، لا يعرف العنف الذي يمارسه الإرهابيون الذين يدّعون الإسلام زوراً، وباسمه يذبحون الناس للوصول إلى أهدافهم المغرضة، وظل "رحمه الله" يدعو علماء الدين إلى بناء تصور للإسلام يقوم على التسامح ونبذ العنف والارهاب.
وأشار إلى نشأة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان منذ طفولته، إذ كانت في أجواء متسامحة لا تعرف التعصب، ونما إيمانه الراسخ بأنّ التّسامح أو السماحة هي جوهر الإسلام؛ فالإسلام الحقيقي هو السماحة، لا يحمل حقداً ولا بغضاً للبشر، ومثلما هو سمح في ذاته، فهو سمح للبشريّة كلّها بقناعاته، مؤكدا أن وعي الشيخ زايد بالتسامح يدلّ على أنه يصدر عن معرفة بالذات والتاريخ والهويّة ثم معرفة الآخر تاريخاً وفكراً وثقافة، فالإسلام بنظره لا يتنافى أصلاً مع الحضارة والتّقدم لأنّه دين حضارة وعلم ونهضة، بل إنّ تعاليمه هي قمّة الحضارة والعلوم، الأمر الذي جعل الإسلام يرتبط في تصوّر الشيخ زايد بمشروع نهضوي استطاع أن يصنع حضارة عظيمة انتشرت في أرجاء المعمورة، وكان الشيخ زايد ينظر إلى تلك الحضارة بوصفها حضارة متسامحة، لا إفراط فيها ولا تفريط، تقوم على التوازن الدقيق بين الروح والمادة من أجل بناء الإنسان المتمّدن. لهذا كان"طيب الله ثراه" يؤمن بأنّ النهضة هي فعل تطوير وإصلاح لمختلف جوانب الحياة من أجل بناء واقع جديد.
وأكد بن تميم أن الشيخ زايد ظل يجسد احترامه للإنسان لوناً ولساناً وديناً، وظل يؤمن بأن الاختلاف العرقي لا يشكل قاعدة لأفضليّة أو دونيّة، فهو اختلاف يتجلّى داخل أسرة إنسانيّة واحدة. فالتغاير والاختلاف يشكّلان قاعدة الحياة في المجتمعات الإنسانية، وهي قاعدة عصيّة على التجاوز، لأنها أساس التنوع الفكري والثقافي، لذلك كان من الطبيعي أن يدين الشيخ زايد "التمييز العنصري بكافّة أشكاله" وأن "ينظر إلى البشر كافّة بعين واحدة، عين المحبّة والأخوة"، كما ظل يدعو إلى البحث عن الجوامع القيميّة والأخلاقيّة المشتركة التي تقوم عليها العلاقات بين المؤمنين بربّ واحد والابتعاد عن التعصّب الذي ينبني على رفض الآخر ورفض الاعتراف به.
وخلص بن تميم إلى التأكيد على أن الشيخ زايد ابن الحضارة العربية الإسلامية في موقفها من الآخر. وأن المتتبع لحواراته مع مختلف الشخصيّات الفكريّة والعلميّة والإعلاميّة والسياسيّة، يكتشف أنّ الهويّة الثقافيّة التي كان الشيخ زايد متشبعا بها متفتّحة، تؤمن بالتبادل الثقافي، لذا فقد انطلق من نظرة مستقبلية ترى أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستكون مجتمعا آمنا لا مكان فيه لأي تمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو اللون. وقد سارت دولة الامارات على خطى القائد المؤسس؛ فصارت واحة للتسامح والتعايش السلمي بين مختلف الأديان والاعراق لانها ترتكز على احترام التنوع ومحاربة ثقافة الكراهية كما تجلى في استحداث وزارة للتسامح .
الدكتور محمد سعيد القدسي
سرد الدكتور محمد القدسي عدة محطات تبين إنسانية الشيخ زايد استشفها من مرافقته للمغفور له لحوالي 34 عاماً، وقال لا يمكن أن أفصل البعد الإنساني لدى زايد عن البعدين الأخلاقي والوطني، موضحا أنه كان في مواقفه كلها يتعامل مع أبناء شعبه ومع الدول الشقيقة والصديقة، بالمعيار نفسه وبالمبادئ الثلاثة نفسها، الأخلاقية والوطنية والإنسانية، وضرب أمثلة من فترة حكم الشيخ زايد الممتدة لثمانية وخمسين عاماً منها عشرون عاماً كحاكم للعين وممثل للحاكم في المنطقة الشرقية، ليبين إنسانية المغفور له وحكمته، وسط القبائل ومشاكلها المتواصلة على الحدود، وكيف تدخل الشيخ زايد رحمه الله وفصل بينها وحدد حدود كل منها.
وأكد القدسي أن الشيخ زايد رجل صنع التاريخ ولم يصنعه التاريخ، وأورد قصصا حول اتفاقيات الحدود بالمنطقة مشيرا الى ان نجاحها يعود حكمة وتسامح وعطاء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله .
وبين القدسي أن الشيخ زايد كان حاكماً عادلاً وراعياً يهتم برعيته، فأورد القدسي بناء الشيخ زايد سوقاً في العين من ماله الخاص وأعطى دكاكينه للمواطنين مجاناً، وفي العين أيضاً ثبت العدالة في توزيع مياه الأفلاج. ومنذ اليوم الأول لتسلمه الحكم في ابوظبي في ٦ اغسطس ١٩٦٦ جاءه المهنئون من المواطنين الذين شكوا اليه احوالهم المعيشية وقلة دخلهم فطلب من ممثل البنك الذي تتعامل معه حكومة ابوظبي احضار مبالغ نقدا الى قصر الحصن، وبدأ يوزعها على طابور المواطنين اليومي والذي دخل فيه أبناء الامارات الأخرى، وكان يعطي لكل منهم مبلغا وهو يقول: اصرفوه على عيالكم واتقوا الله .. وبلغ جملة ما قدمه في اسبوعين عشرين مليون دولار. كما ضرب القدسي مثلاً بقصة أمر الشيخ زايد بتعبيد طريق إلى الجبل في رأس الخيمة عام 1974 نزولاً عند رغبة أحد المسنين الذي شكا إليه وعورة الطريق.
وأوضح القدسي أن إنسانيته رحمه الله، لم تقتصر على أبناء الإمارات فقط، وحكى عن ذهابهم لمؤتمر القمة الثامن في القاهرة عام 1976 وقصة إعادة بناء أحد أحياء مدينة الإسماعيلية بأربعة آلاف وخمسمئة وحدة سكنية بتكلفة 18 مليون دولار في ذلك الوقت، والثناء الذي وجدته هديته الكريمة تلك من المواطنين المستفيدين من المشروع، واستقبالهم الحاشد له، وكيف أطلقوا اسمه على الحي.
الشيخ سعيد بن طحنون
وعقب معالي الشيخ الدكتور سعيد بن طحنون في مداخلة له على ما قدمه المنتدون، وبين أنه حظي بنفسه بأن يرى جانباً من الأعمال الإنسانية للمغفور له الشيخ زايد في عدد من البلدان مثل مصر والمغرب وباكستان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وفي غيرها من البلدان. وقال إنني أذكر قصة حدثت عندما كان الشيخ زايد في رحلة علاج في كليفلاند في أمريكا، حيث كان يومها علي سالم الكعبي يعرض عليه " طيب الله ثراه" الالتماسات المرفوعة إليه من مواطنين وإخوة عرب، واستثنى الكعبي آخر ورقة من القراءة، فلم يقرأها ، فسأله رحمه الله لم لم تقرأها؟ فقال الكعبي إنه طلبٌ مقدم من أحد اليهود، فقال الشيخ زايد أوليس اليهودي إنساناً؟ وفروا له علاجه وما يطلب.
القس أنطونيوس ميخائيل
وفي مداخلة لنيافة القس أنطونيوس ميخائيل بين أن الشيخ زايد سبق عصره في رؤية بناء بلاده! فقد بنى الإنسان الإماراتي الذي منه بنى الدولة، وعلَّم أولاده التسامح على المستوى الإنساني قبل السياسي، وإنك لترى هذا التسامح في كل مُواطِنٍ إماراتي، وقال:. نحن هنا نمارس شعائرنا الدينية بحرية مطلقة، وقد استمرت على هذا النهج قياداتُ الإمارات الحكيمة؛ ممثلة في حضرة صاحب السمو الشيخ خليفة، وولي عهده الأمين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد؛ فقد أعلنوا عام (2019م) عامًا للتسامح، فشهد العام على هذه الأرض الطيبة لقاء تاريخيا بين البابا" فرنسيس" بابا الفاتيكان، والشيخ "أحمد الطيب" شيخ الأزهر لتوقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية".
وأضاف نيافته: لقد أعلن البابا "تواضروس الثاني" بعد تولّيه رئاسة الكنيسة الأرثوذكسية؛ أن أول دوله يزورها هي دوله الإمارات العربية؛ تقديرًا لدورها المشرف في دعم الثورة المصرية. وبهذا فقد أعلن أكبرُ قامتين في العالم المسيحي "بابا الكنيسة الكاثوليكية" و"بابا الكنيسة الأرثوذكسية" أن دوله الإمارات دوله التسامح.
وفي ختام الندوة قام معالي الشيخ الدكتور سعيد بن طحنون آل نهيان، بحضور سعادة الدكتور عبيد علي راشد المنصوري. وسعادة علي عبدالله الرميثي، بتكريم المشاركين في الندوة، وكذلك تكريم الرعاة والداعمين للمهرجان.
وتجول معاليه والحضور في "معرض المسكوكات العربية والإسلامية" وجناحي الصور الخاصة بالتسامح في حياة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"، والكتب المحققة التي ينظمها جميعا، على هامش المهرجان، مركز زايد للدراسات والبحوث.