نظم مركز زايد للدراسات والبحوث التابع لنادي تراث الإمارات ضمن موسمه الثقافي لعام 2022 ندوة إفتراضية عبر تطبيق مايكروسوفت تيمز أمس بعنوان "تاريخ الإمارات والجزيرة العربية في مصادر أرشيفات عالمية مختارة" شارك فيها الأستاذ الدكتور خالد حمود السعدون الباحث في تاريخ الخليج والجزيرة العربية، والأستاذ الدكتور مسعود إدريس رئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة الشارقة، والدكتور علي عفيفي علي غازي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، والدكتور حمد العنقري أستاذ مساعد في قسم التاريخ- كلية الآداب- جامعة الملك سعود، والدكتور كمال أحمد خوجه أوغلو خبير الأرشيف العثماني ومترجم الوثائق العثمانية، وأدار الحوار الدكتور محمد فاتح زغل الباحث الرئيسي في مركز زايد للدراسات والبحوث. وتناول المتحدثون في الندوة أربعة محاور رئيسة هي: أهمية الأرشيفات الأجنبية كمصدر لتاريخ الإمارات والجزيرة العربية، أهمية الأرشيف العثماني على وجه الخصوص بالنسبة لتاريخ الامارات والجزيرة العربية، مصادر تاريخ الإمارات والجزيرة العربية في الأرشيف العثماني، التطلعات والرؤى المستقبلية حول استقراء هذا الأرشيف والإستفادة أكثر. وقالت فاطمة المنصوري مديرة مركز زايد للدراسات والبحوث في كلمتها الإفتتاحية ان أرشيفات الوثائق العالمية تشكل مصدراً أًصيلاً من مصادر كتابة التاريخ الحديث في المنطقة العربية عامة، والإمارات وشبه الجزيرة العربية والعراق على نحو خاص، لا سيما الأرشيف العثماني الذي يعد من أكبر الأرشيفات العالمية، وقد حظي باهتمام كبير من المركز حيث سعى إلى جلب الوثائق والإستفادة منها بجعلها متاحة للباحثين عبر إصدارها في دراسات وأبحاث وكتب، ونجح المركز في إصدار المنظومة الثلاثية وهي منظومة فهارس وثائق شبه الجزيرة العربية التي تم نشرها في ثلاثة إصدارات مهمة، ولم يكتفي المركز بذلك وإنما قام بتنظيم الندوات السنوية التي تعنى بوثائق الإمارات والخليج واستضافة الخبراء للحديث حولها واستخلاص الخبرات والنتائج. وتحدث الدكتور خالد السعدون عن الأرشيفات الأجنبية مٌرجعاً أهميتها في كتابة تاريخ الخليج العربي إلى غياب الأرشيف المحلي، وقال لا يوجد في موروثنا الحضاري ما يدل على تخصيص مؤسسة قائمة بذاتها موكلة بحفظ الأوراق والوثائق الرسمية، وأن وما وصل إلينا من وثائق نادرة تعود لقرون ماضية ليس إلا نتاج مسعى فردي لحفظ وثيقة ما بدافع ديني أو حقوق، وليس نتاج تنظيم ذي أصول محددة وقواعد مقننة بشكل رسمي. وأضاف السعدون لقد تبددت وثائق الدولة العربية ولم يصل منها للوقت الراهن إلا أقل القليل مما تكتنفه الشكوك. وذكر السعدون عدة سمات للأرشيفات الأجنبية التي جعلها جديرة بالاهتمام منها معاصرة مواد تلك الأرشيفات لحقبتي التاريخ الحديث والمعاصر، أغلب هذه الوثائق كتبها مسؤولون ميدانيون عملوا في المنطقة من صناع الحدث أو شهود عيان له، سرية تلك المراسلات وهذا ينفي عنها شبهة المجاملة ومصانعة الجمهور، تضمينها معلومات دقيقة، واتصافها بالشمولية وتغطيتها مختلف الأحداث والوقائع. وعن الأرشيف العثماني قال الدكتور كمال أوغلو ان بداياته ترجع إلى عهد السلطان محمد الثاني(الفاتح) وتطور وأخذ شكل المؤسسة الرسمية في عهد السلطان سليم الأول(الياوز). ثم بدأت الدولة في حفظ كافة الاتفاقيات والدفاتر والوثائق بصورة منتظمة. فوثائق ودفاتر وسجلات الأرشيف العثماني مكتوبة باللغة العثمانية القديمة بحروف أصلها عربية مع إضافة بعض الحروف الفارسية نظراً لطبيعة اللغة التركية التي تشكل أصل اللغة العثمانية. مضيفاً أن تصنيف هذه الوثائق والدفاتر بدأ في العشرينيات من القرن الماضي ولا زال التصنيف جاريا فيها مع نقلها إلى الرقمية بحيث يمكن للباحث الوصول إليها وقراءتها عبر موقع الأرشيف العثماني التابع لرئاسة الجمهورية التركية. وأكد أوغلو أن حجم الوثائق العثمانية ضخم جداً، قائلاً أن عددها يتراوح بين 100 إلى 250 مليون وثيقة، وما يتعلق بمنطقة الخليج من هذه الوثائق بصورة مكثفة يتركز في الفترة من بداية القرن التاسع عشر وحتى السنوات العشر الأول من القرن العشرين. وأشار أوغلو إلى أن العائق أمام الاستفادة من هذه الوثائق بالنسبة للعالم العربي هو ندرة المترجمين من اللغة العثمانية إلى اللغة العربية، مطالبا بضرورة العمل على توفير المترجمين للاستفادة من هذه الوثائق. وقدم الأستاذ الدكتور مسعود إدريس نظرة عامة حول الأرشيف العثماني، ذكر خلالها الأنواع الرئيسية من المواد في هذا الأرشيف والتي تحتوي على 95 مليون وثيقة مختلفة أكبر هذه الوثائق مع ما يقرب من 93 مليون سجل تحتوي على جميع مراسلات الدولة، بما في ذلك سجلات ديوان هومايون، والوزارة الرئيسية، والحضانة، ومراسلات الحكومة المحلية، وخطابات الطلبات المرسلة من قبل المواطنين إلى رجال الدولة، والاجتماعات مع الدول الأجنبية ومراسيم السلطان في الوثائق. كما تحدث عن أهمية الأرشيف العثماني في تدوين التاريخ المحلي لدول الخليج العربي قائلاً ان تدوين تاريخ المنطقة دون الرجوع إلى الأرشيف العثماني سيظل عملاً منقوصاً، وأنه قد تم إحصاء 200 ألف وثيقة خاصة بالخليج العربي في هذا الأرشيف، وهي مقسمة على فترتين الأولى من عام 1560 وحتى عام 1630، والفترة الثانية من عام 1871 حتى عام 1915. وعن واقع الوثائق البريطانية قال الدكتور حمد العنقري أن هذه الوثائق تتميز بكونها أكثر تنظيماً، وأكثر سهولة في الحصول عليها، لذلك توجه عدد كبير من الباحثين للأرشيفات البريطانية للاستفادة من هذه الوثائق، أما في الأرشيف العثماني فمعظم الباحثين العرب لا يعرفون اللغة العثمانية أو اللغة التركية، وفي المقابل كثير من موظفي الأرشيف العثماني لا يعرفون اللغة العربية أو اللغة الإنجليزية، فهناك صعوبة كبيرة في الاستفادة من هذه الوثائق بسبب قلة المترجمين. وتحدث العنقري عن دراسته في تاريخ إمارة أبوظبي مستنداً في ذلك على وثائق الأرشيف العثماني المتاحة من رسائل وتقارير متبادلة من الدوائر المختلفة في الدولة والباب العالي، وعرض ما تضمنته هذه الوثائق من شؤون اقتصادية واجتماعية وسياسية خاصة بالإمارة في الفترة من 1804- 1914، إضافة إلى التعرف على سياسة الباب العالي ومحاولته تأكيد نفوذه في المنطقة، وصورة هذا النفوذ من حيث القوة والعجز أمام النفوذ البريطاني المتصاعد في الخليج العربي وأثر هذا الصراع على النفوذ في تاريخ المنطقة. وأشار العنقري إلى أن الدراسة تعكس وجهة نظر الدولة العثمانية دون غيرها، وأسلوب تعاملها مع الأحداث، وتطرق إلى الحديث عن مجموعة رئيسية من الموضوعات من أهمها، الإشارات الأولى في وثائق الأرشيف العثماني عن أبوظبي، ودراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في أبوظبي. من جانبه أكد الدكتور علي عفيفي أن الوثائق العثمانية تُشكِّل مادة مصدرية مهمة لتاريخ منطقة الخليج العربي، بين عامي (1550-1918)، والمصدر الموثوق فيه لكتابة تاريخ المنطقة، ولم يتمّ حصر عدد الوثائق الموجودة في الأرشيف العثماني كاملة، ولا تزال عملية فهرستها وتنسيقها وأرشفتها وتحويلها إلى نسخ إلكترونية قائمة على قدم وساق. مشيراً إلى أن اهتمام دول العالم العربي بالأرشيف العثماني محدود، وإقبال الباحثين من الدول الخليجية خاصة قليل جدًا؛ بسبب عدم المعرفة باللغة العثمانية. وقال عفيفي ان أرشيف إستانبول يحوي ملايين الوثائق التاريخية المفهرسة والمبوبة تغطي جميع مراسلات ومكاتبات الباب العالي العثماني مع الولايات والبلاد والأقاليم التابعة للدولة العثمانية، والوثائق التي تخص المشرق العربي عامة، والخليج العربي خاصة، وهي كثيرة ومتنوعة وموزعة في ملفات ومجلدات ووحدات ودفاتر الأرشيف، وتُغطي فترات زمنية مختلفة. وسلط الدكتور عفيفي الضوء على التصانيف المتنوعة، التي لها أهمية للباحثين المهتمين بدراسات الخليج والجزيرة العربية، واللجان التي حاولت تصنيف وثائق الأرشيف العثماني. حضر الندوة بدر الأميري المدير الإداري في مركز زايد للدراسات والبحوث، وجمع من الباحثين والمختصين والمهتمين، وحظيت بالعديد من المداخلات والنقاشات الثرية.